من هو المحدث ؟

قال الإمام البخاري رحمه الله:
واعلم أن الرجل لا يصير محدثًا إلَّا بعد أن:
- يكتب أربعًا مع أربع.
- كأربع مثل أربع في أربع.
- عند أربع بأربع.
- على أربع عن أربع لأربع.
- وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع...
- فإذا تمت له كلها؛ هان عليه أربع وابتلي بأربع.
فإذا صبر على ذلك؛ أكرمه الله في الدنيا: بأربع، وأثابه في الآخرة: بأربع.
فقيل:
فسِّر -رحمك الله- ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات؟
قال: نعم.
أما الأربعة التي يحتاج إلى كتبها، هي:
- أخبار الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وشرائعه.
- والصحابة ومقاديرهم.
- والتابعين وأحوالهم.
- وسائر العلماء وتواريخهم.
- مع أسماء رجالها، وكناهم، وأمكنتهم، وأزمنتهم:
كــ:
- التحميد مع الخطيب.
- والدعاء مع الترسل.
- والبسملة مع السورة.
- والتكبير مع الصلوات، مثل:
- المسندات.
- والمرسلات.
- والموقوفات.
- والمقطوعات في:
- صغره.
- وفي إدراكه.
- وفي شبابه.
- وفي كهولته:
- عند شغله.
- وعند فراغه.
- وعند فقره.
- وعند غناه بالــ:
- جبال.
- والبحار.
- والبلدان.
- والبراري على:
- الأحجار.
- والأصداف.
- والجلود.
- والأكتاف.
إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق عمن هو:
- فوقه.
- وعمن هو مثله.
- وعمن هو دونه.
- وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره لوجه الله تعالى؛ طالبا لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله تعالى منها، ونشرها بين طالبيها، والتأليف في إحياء ذكره بعده.
ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع هي، من كسب العبد:
- معرفة الكتابة.
- واللغة.
- والصرف.
- والنحو.
مع أربع هن من عطاء الله تعالى:
- الصحة.
- والقدرة.
- والحرص.
- والحفظ.
فإذا صحَّتْ له هذه الأشياء ؛ هان عليه أربع:
- الأهل.
- والولد.
- والمال.
- والوطن.
وابتلي بأربع:
- شماتة الأعداء.
- وملامة الأصدقاء.
- وطعن الجهلاء.
- وحسد العلماء.
فإذا صبر على هذه المحن ؛ أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع:
- بعز القناعة.
- وبهيبة اليقين.
- وبلذة العلم.
- وبحياة الأبد.
وأثابه في الآخرة بأربع:
- بالشفاعة لمن أراد من إخوانه.
- وبظل حيث العرش لا ظل إلا ظله.
- ويسقى من أراد من حوض محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.
- وبجوار النبيين في أعلى عليين في الجنة.
فقد أعلمتك !.
انتهى من «تدريب الراوي».
قلت:
وقد أعلمتكم، وإني ناصحكم، لا تطلقوا لقب (مُحدث) إلَّا على مَن جَمَع هذه الخِلال ..
[[ وهُم نُدرة، بل قد لا يوجدون في هذا الزمان أصلا !
فمن على سبيل المثال يعرف: أسماء الرجال، وكناهم، وأمكنتهم، وأزمنتهم ويحفظ هذا حفظًا ؟!
بل، من يحفظ اليوم مئة حديث بأسانيدها ؟!
قال السيوطي في مقدمة كتابه «تدريب الراوي»:
«الثانية: في حد الحافظ والمحدث والمسند .
أعلم أن أدنى درجات الثلاثة، «المسنِد» بكسر النون، وهو من يروي الحديث بإسناده، سواء كان عنده علم به، أو ليس له إلا مجرد رواية، وأما المحدث فهو أرفع منه» انتهى.
.
وقال الإِمام الحافظ أبو شامة:
«علوم الحديث ثلاثة:
- أشرفها حفظ متونه ومعرفة غريبها وفقهها.
- والثاني حفظ أسانيده، ومعرفة رجالها، وتمييز صحيحها من سقيمها.
- والثالث جَمْعه وكتابته، وسماعه، وتطريقه، وطلب العلو فيه، والرحلة إلى البلدان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقًا عليه:
«ومن أحرز الأول وأخل بالثاني كان بعيدًا من اسم المحدث عُرفًا.
ومن يحرز الثاني وأخل بالأول لم يبعد عنه اسم المحدث، ولكن فيه نقص بالنسبة إلى الأول.
وبقي الكلام في الفن الثالث، ولا شك أن من جمع ذلك من الأولين كان أوفر سهمًا وأحظ قسمًا.
ومن اقتصر عليه كان أخس حظًّا وأبعد حفظًا.
ومَن جمع الثلاث كان: فقيهًا، محدثًا كاملًا.
ومن انفرد باثنين منهما كان دونه، إلَّا أن من اقتصر على (الثاني والثالث) ؛ فهو محدث صِرْف، لاحظ له في اسم الفقيه.
كما أن من انفرد بالأول ؛ فلاحظ له في اسم المحدث.
ومَن انفرد بالأول والثاني فهل يسمى محدثاً ؟ فيه بحث ». انتهى كلامه رحمه الله.
قلت:
فهل يعلم أحدٌ في هذا الزمان أحدًا يحيا في زماننا جمع هذا كله ؟!
لا أعلم مِن أهل السنة سوى العلامة عبد المحسن العباد، والعلامة محمد الإثيوبي، لهما نصيب وافر مما ذُكِر.. والله أعلم بغيرهما، وهذا مبلغ علمي! وقد ذكرتهما لشهرتهما، وضربًا للمثل]]
فإياكم والغلو؛ لأن مَن تُطلقون عليهم، هم أنفسهم لا يرضون بهذا !
وإلا فقد شابهتم غلاة الحزبيين والمبتدعين في غلوهم في شيوخهم.
فكونوا على السُّنة فعلًا كقولًا.
وكتب
أبومارية أحمد بن فتحي