الحمد لله، وبعد:
الجواب باختصار ووضوح:
كان يقال لنا قديمًا: «مَن زرع حصد».
وبالفعل فإنَّ الناس يحصدون ثمار أعمالهم...
ومن هذه الثمار:
ظلم، وجور، وفساد الأُمراء، وانتكاس العُلماء.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
«وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم...
فإن استَقامُوا؛ استَقامَت مُلوكُهم
وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم
وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم
وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ؛ فوُلاَتُهم كذَلكَ.
وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها؛ مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم
وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم؛ أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه، وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ.
وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ...
فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم !
وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلَّا مَن يَكونُ مِن جِنسِهم.
ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ و أبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ. انتهى.
.
أخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله تعالى:
{ وَ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا ... } ما سمعتم يقولون فيه؟
قال سمعتهم يقولون: «إذا فسد الناس أُمّرَ عليهم شِرارُهم». انظر: «الدر المنثور» للسيوطي (3 /358 ).
وقال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه: «يا أمير المؤمنين، ما بال أبي بكر وعمر انطَاعَ الناس لهما والدنيا عليهما أضيق من شبر فاتسعت عليهما؟ وولِّيتَ أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر؟!
فقال: لأن رعية أبي بكر وعمر مثلي ومثل عثمان، ورعِيَّتي أنا اليوم مِثلك وشبهك».
.
وأرسلوا يومًا لأحد الأُمراء يشكون له جور العُمال (أي: المحافظين في بعض المناطق): فكتب لهم:
«بلغني كتابكم و ما أنتم فيه، وليس ينبغي لمن يعمل المعصية أن يُنكر العقوبة، و لم أرَ ما أنتم فيه إلا من شُؤم المعصية، و السلام».
.
وقال الإمام السعدي في «تفسيره» لقوله تعالى: { وَ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }، قال:
«كذلك من سُنتنا أن نولي كل ظالم ظالمًا مثله، يؤزُّه إلى الشر ويحُثُّه عليه، و يزهِّده في الخير و ينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها، والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}، ومن ذلك أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة؛ ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين، كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم و اعتساف».اهـ .
.
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
«كثير من الناس يريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون، ولا شك أننا نريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون، لكننا لا نعطيهم في المعاملة أكمل ما يكون.
بمعنى أن بعض الرعية يقول: يجب أن يكون الراعي على أكمل ما يكون، ومع ذلك تجد الرعية على أنقص ما يكون .. أهذا عدل ؟! لا و الله ما هو بعدل.
إذا كنت تريد أن تعطَى الحق كاملًا ، فأعط الحق الذي عليك كاملًا، وإلا فلا تطلب.
ومِن حكمة الله عز وجل أن المُوَلَّى على حسب المولَّى عليه ..
وهذه من الحكمة أن يكون المولى - ولي الأمر- على حسب من ولي عليه، إن صلح هذا صلح هذا، و إن فسد هذا فسد هذا.
وفي الأثر: «كما تكونوا يول عليكم» يعني: أن الله يولي على الناس على حسب حالهم، وهذا الأثر وإن لم يكن صحيحًا مرفوعًا إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكنه صحيح المعنى.
اقرأ قول الله تعالى: { وَ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} أي : نجعل الظالم فوق الظالم، بماذا ؟ { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }.
فإذا ظلمت الرعيَّة سلطت عليها الرُّعاة، وإذا صلحت الرعيَّة صلح الرُّعاة، و كذلك بالعكس : إذا صلح الراعي صلحت الرعية».انتهى.
فلا تنقِم على حاكمك قبل أن تنقم على ما كسبت يداك !
وكتب أبومارية أحمد بن فتحي
---------------------------------------------------------------
الجواب باختصار ووضوح:
كان يقال لنا قديمًا: «مَن زرع حصد».
وبالفعل فإنَّ الناس يحصدون ثمار أعمالهم...
ومن هذه الثمار:
ظلم، وجور، وفساد الأُمراء، وانتكاس العُلماء.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
«وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم...
فإن استَقامُوا؛ استَقامَت مُلوكُهم
وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم
وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم
وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ؛ فوُلاَتُهم كذَلكَ.
وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها؛ مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم
وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم؛ أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه، وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ.
وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ...
فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم !
وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلَّا مَن يَكونُ مِن جِنسِهم.
ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ و أبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ. انتهى.
.
أخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله تعالى:
{ وَ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا ... } ما سمعتم يقولون فيه؟
قال سمعتهم يقولون: «إذا فسد الناس أُمّرَ عليهم شِرارُهم». انظر: «الدر المنثور» للسيوطي (3 /358 ).
وقال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه: «يا أمير المؤمنين، ما بال أبي بكر وعمر انطَاعَ الناس لهما والدنيا عليهما أضيق من شبر فاتسعت عليهما؟ وولِّيتَ أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر؟!
فقال: لأن رعية أبي بكر وعمر مثلي ومثل عثمان، ورعِيَّتي أنا اليوم مِثلك وشبهك».
.
وأرسلوا يومًا لأحد الأُمراء يشكون له جور العُمال (أي: المحافظين في بعض المناطق): فكتب لهم:
«بلغني كتابكم و ما أنتم فيه، وليس ينبغي لمن يعمل المعصية أن يُنكر العقوبة، و لم أرَ ما أنتم فيه إلا من شُؤم المعصية، و السلام».
.
وقال الإمام السعدي في «تفسيره» لقوله تعالى: { وَ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }، قال:
«كذلك من سُنتنا أن نولي كل ظالم ظالمًا مثله، يؤزُّه إلى الشر ويحُثُّه عليه، و يزهِّده في الخير و ينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها، والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}، ومن ذلك أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة؛ ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين، كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم و اعتساف».اهـ .
.
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
«كثير من الناس يريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون، ولا شك أننا نريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون، لكننا لا نعطيهم في المعاملة أكمل ما يكون.
بمعنى أن بعض الرعية يقول: يجب أن يكون الراعي على أكمل ما يكون، ومع ذلك تجد الرعية على أنقص ما يكون .. أهذا عدل ؟! لا و الله ما هو بعدل.
إذا كنت تريد أن تعطَى الحق كاملًا ، فأعط الحق الذي عليك كاملًا، وإلا فلا تطلب.
ومِن حكمة الله عز وجل أن المُوَلَّى على حسب المولَّى عليه ..
وهذه من الحكمة أن يكون المولى - ولي الأمر- على حسب من ولي عليه، إن صلح هذا صلح هذا، و إن فسد هذا فسد هذا.
وفي الأثر: «كما تكونوا يول عليكم» يعني: أن الله يولي على الناس على حسب حالهم، وهذا الأثر وإن لم يكن صحيحًا مرفوعًا إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكنه صحيح المعنى.
اقرأ قول الله تعالى: { وَ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} أي : نجعل الظالم فوق الظالم، بماذا ؟ { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }.
فإذا ظلمت الرعيَّة سلطت عليها الرُّعاة، وإذا صلحت الرعيَّة صلح الرُّعاة، و كذلك بالعكس : إذا صلح الراعي صلحت الرعية».انتهى.
فلا تنقِم على حاكمك قبل أن تنقم على ما كسبت يداك !
وكتب أبومارية أحمد بن فتحي
---------------------------------------------------------------

