الهوي


الحمد لله، وبعد:
هذا مقال مختصر مهم في الهوى وذمِّه، وذم مَن يتبعه، والتحذير من غوائله، والتحرز من دواهيه وعواقبه...
لمَّا رأيت حاجتي - أولًا- وحاجة إخواني إليه مُلِحَّة؛ خاصة في مثل هذه الآونة التي فيها الفتن عمَّت، والشهوات فيها برزت وطمَّت.. وقلَّ الحياء، وصار كل من أراد فعل شيء فعله، وقاده هواه؛ مهما نوصح فهواه قائده، ومهما عوتب فهواه سيده.
وتلاعب الهوى بالنفوس والقلوب حتى زيَّن الشهوات، وجمَّل الملذات، وهوَّن المنكرات .
ولِما لهذه الآفة من خطر عظيم على المؤمن في دنياه وأخراه فإن في مخالفة هوى النفس وما تشتهيه من اللذات كل خير وفلاح، وفي متابعة النفس وما تشتهي كل شر وبلاء..؛ اجتهدت قدر استطاعتي في اختصاره ؛ لقِصَر الهمم عن قراءة المطولات على أن آتي بأهم المهمات ..
ما هو الهوى؟
الهوى: مصْدَر قولهم (هوَى، يهوي).
وكل خالٍ هواء، قال تعالى: {وأفئدتهم هواء} أي: خالية لا تعي شيئًا. قال ابن فارس: وهوى النفس مأخوذ من المعنيين جميعًا؛ لأنه خالٍ من كل شيء، ويهوي بصاحبه فيما لا ينبغي.
قال الراغب:
سُمِّيَ بذالك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا على كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية.
قال ابن الجوزي: مَيل الطبع إلى ما يلائمه.
وأقول:
الهوَى غلبَة إرادة النفس على القلب.
قال الجاحظ كلامًا عن الهوى أختصره فيما يلي:
إذا تمكنت الشهوة من الإنسان، وانقاد لها؛ كان كالبهائم ؛ لأن أغراضه ومطلوباته وهمته تصير أبدًا مصروفة إلى الشهوات واللذات فقط.
وهذه هي عادة البهائم، ومن يكون بهذه الصفة يقل حياؤه، ويستوحش من أهل الفضل، ويبغض أهل العلم، ويودُ أصحاب الفجور، ويستحب الفواحش.انتهى مختصرًا.
وسئل الحسن البصري: أي الجهاد أفضل؟ فقال: «جهادك هواك».
وقال أحد الحكماء:
إذا بدهك أمران لا تدري في أيهما الصواب؛ فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه.. فإنَّ الصواب في مخالفة الهوى.
وأقول:
كلما ضعف في القلب الإيمان؛ غلبَ للهوى وتمكَّن الشيطان.
:::::::::::::::::::::::: وبعدُ، فما حُكم الهوَى واتِّباعه؟ ::::::::::::::::::::::::::::::::
لم يأت الهوى في آيةٍ أو حديثٍ بمدحٍ قطُّ؛ وفي هذا كفاية، بل ودلالة على ذمه، وسوء عاقبته؛ تأمل معي الآيات المباركات:
قال الله تعالى:
{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ}.
وقال:
{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ}.
وقال سبحانه:
{فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ}.
وقال سبحانه:
{فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ}.
وقال سبحانه:
{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ}.
وقال:
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}.
وقال تعالى:
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فإنَّ الجنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
وتأمل الأحاديث الثابتة الصحيحة:
- كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء»، أخرجه الترمذي، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي».
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أخشى عليكم بعدي: بطونكم، وفروجكم، ومضلات الأهواء»، أخرجه الطبراني في «المعجم الصغير»، وصححه الألباني في «ظلال الجنة».
- وقال صلوات الله عليه: «ثلاث مهلكات، و ثلاث منجيات:
ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متَّبَع، وإعجاب المرء بنفسه.
وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا». أخرجه البزار، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة».
والآيات والأحاديث كثيرة في ذم الهوى وعواقبه والتحذير من اتباعه..فاحذره فكله بلاء، وخالفه فهذا الشفاء...
قال بشرالحافي: «البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه».
وقال ابن القيم: «ومخالفة الهوى تورث العبد قوة في قلبه ولسانه وبدنه».
وقال قتادة: «إن الرجل إذا كان كلما هوي شيئا ركبه، وكلما اشتهى شيئا أتاه؛ لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى؛ فقد اتخذ إلهه هواه».
قلت: وما تهاجر الناس، وفسدت أخلاقهم، وبارت أعمالهم، وغلبت عليهم شياطينهم؛ إلا باتباعهم أهواءهم..
وما كفر كافر - غالبًا - إلا باتباع هواه.
وما ابتدع مبتدعٌ - غالبًا - إلا باتباع هواه.
وما عصى عاصٍ - غالبًا - إلا باتباع هواه.
وما ترَك العِلم جاهل - غالبًا - إلا باتباع هواه.
فالهوى يقود تابعه إلى الكفر، والبدعة، والشهوات والمعاصي.
ولذلك سُموا أهل الأهواء، وهم درجات كما تقدَّم.
قال ابن حبان: «العقل والهوى متعاديان! فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مُسْعِفًا، ولهواه مُسوِّفًا.. فإذا اشتبه عليه أمران؛ اجتنب أقربهما من هواه؛ لأنَّ في مجانبة الهوى إصلاح السرائر، وبالعقل تصلح الضمائر».
وقال شيخ الإسلام: «وأضل الضُّلَّال، هم: أتباع الظن والهوى، كما قال الله تعالى في حق من ذمهم: {إن يتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنفُسُ وَلقَدْ جَاءَهُم مِن رَبِّهِم الهُدى}.
وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}؛ فنزَّهَهُ عن الضَّلال والغواية اللذَيْن هُما الجهل والظلم.
فالضال: هو الذي لا يعلم الحق. والغاوي: الذي يتبع هواه. وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس؛ بل هو وحي أوحاه الله إليه، فوصفه بالعلم، ونزهه عن الهوى».
إذًا، يمكن أن ألخص مضار اتباعه فيما يلي:
- يلزم من صاحب الهوى قوله بعدم كمال الدين.
- صاحبه من أعوان الشيطان وأعداء الرحمن.
- موصل إلى كل معصية وفتنة.
- أقرب وأقصر طريق للشيطان.
- نقصان الطاعة وتقصير العبادة ــ غالبًا ــ من النفس.
- الهوى أشد على الإنسان من الشيطان.
- مؤداه إلى مرض القلب، ثم قسوته، فموته.
- يهوِّن الذنوب والآثام.
- الابتداع في الدين
- التخبط وعدم الهداية إلى الطريق المستقيم.
- يؤدي الجهل.
- إضلال الأخرين.
- الصيرورة إلى الجحيم.
:::::::::::::::::::::: كيف ينشأ الهوى عند الإنسان؟ :::::::::::::::::::::::::::::
ينشأ عند الإنسان بالآتي:
- عدم التنشئة على ضبطه منذ الصِّغر؛ فيلبي الآباء الوالدان كل رغبات الأبناء دون ضبط ولا ربط؛ فينشأ كل ما يتمناه هواه ؛ يجده، وينشأ للدنيا محِبًّا، ولذَّاتها طالبًا.
- مجالسة أهل الأهواء ومصاحبتهم؛ فإن المرء بأخدانه، والمرء على دين خليله.
- ضعف المعرفة الحقة باللهِ والدار الآخرة؛ إذْ لو عرَف؛ لاعْترَف!
- تقصير المحيطين نصحًا وإرشادًا، وسلوكهم المجاملات نحو صاحب الهوى.
- حب الدنيا والرُّكون إليها مع نسيان الآخرة.
- الجهل بالعواقب المترتبة على اتباع الهوى؛ ويكفي في عواقبه: أنَّ الله ذمَّه في كل موطن! وأنَّ الرسول استعاذ به في كل حال.
.
::::::::::::::::::::::::::::: كيف أعالج هواي؟ ::::::::::::::::::::::::::
- التذكير الدائم بعواقب الهوى؛ فكم فوَّت مِن فضيلة، وأوقع في رذيلة.
- هجران أهل الأهواء، وترك مجالستهم فإنها ممرضة للقلوب بداء الهوى.
- مصاحبة أهل الصَّلاح؛ فإن لم تستفد منهم نصحًا فستستحي أمامهم.
- تعرف إلى ربك بأسمائه، وصفاته.
- الوقوف على سير أصحاب الأهواء وعواقبهم، وسير أهل الخير والاتباع.
- اعلم أن متبع الهوى شبيه بأهل المذمة والخسران؛ ومخالف الهوى شبيه بأهل التقوى والإيمان.
- ما ضيَّع إبليس، وفرعون، وهامان، أبا جهل وأبا لهب، وسائر صناديد الكفر والإلحاد إلا اتباع الهوى وطغيان النفس!
- التحذير من الركون إلى الدنيا والاطمئنان بها.
- الإستعانة بالله واللإلتجاء إليه سبحانه.
- مجاهدة النفس، وحملها على التخلص من أهوائها وشهواتها، ومخالفتها في عمل كل خير.
- الإنسان لن يُترَك سُدًى! متى ذهب به هواه؛ ذهَب! بل يُحاسب متى ذهب، وإلى أين، ومِن أجل مَن؟!
اللهم ربِّ لنا نفوسنا، وأهل طغيانها، وارزقنا الذل والافتقار إليك، وارزقنا حسن الاتباع.
نصيحة مليحة:
لا تجعل المنشور يقف عندك بإعجاب، أو تعليق فقط؛ فلماذا تحجب الخير عن غيرك، وتُـقْصِره على نفسك؟!
شاركْه، وادعُ غيرك لمشاركته؛ ففي ذلك نشر للعلم (الدال على الخير كفاعله) ، ونصيحة للمسلمين (الدين النصيحة...، لأئمة المسلمين وعامتهم).
وكتب
أبومارية أحمد بن فتحي
..............................................................................
مدونة أبي مارية أحمد بن فتحي
:: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::