هل كان ابن تيميه فيلسوفا منطقيا



الحمد لله،
بعد دراسةٍ مُوسَّعةٍ بعض الشَّيء للفلسفة والمنطق عبْر كليتنا الحبيبة العريقة (دار العلوم) -حرسها الله وطهرها-، ومنها إلى الاطلاع والبحث والمناقشة؛ تغيرت نظرتي لشيخ الإسلام ابن تيمية عما كنت أعتقده فيه، وأنظر إليه...!
فإنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية هو المَنظُور له بـ(العالِم، والفقيه، والمُحدِّث، والأصُولي...إلى آخر ما نعرفه، بل وما لا نعرفه)، لكن أنْ يُنظر إليه نظرة (فيلسوف)! هذا عجَب العُجاب..
وليس ذمًّا له مَن ينظرون إليه هذه النظرة، بل انبهارًا وتعجبًا، وإشادةً بما أضافهُ ولم يُسبَق به ؛ إذْ كيف استطاعَ مع انشِغَاله التعبديِّ، وانهمَاكه العلمِيِّ، وجهَاده السُّني أنْ يخترق هذا العالَم الفلسَفِي المنطقي؟! بل الأعجب أنْ يبرَع فيه، ويرد على مؤيديه، بأصولهم المنطقية والفلسفية!
.
عُرف تأريخيًّا أنَّ ابن تيمية كان خَصْمًا للفلسَفة، ولكِنَّه ليس بالخَصْم الجاهل الذي لا يعرف ما يقول، بل هو خبيرٌ بالفلسفة، وبمداخلها ومخارجها، ومبادئها ومسائلها.
فقد دوَّن نقده للفلسفة والمنطق في عدَّة كتب أهمها:
«الرد على المنطقيين»، و«نقض المنطق»، إضافة إلى بعض ما ورد في «درء تعارض العقل والنقل»، تلك الكتب التي أنقذتني -شخصيًّا- من السقوط في هُوَّة ظلام الملاحدة الفلاسفة والمناطقة.
.
ورغم خصُومَة ابن تيمية للفلسفة، فهل كان فيلسوفًا ؟! أو هل يحق لنا أن نعده فيلسوفًا مع ما رأينا من جودة ردوده، وإتقانه لأصولهم وكأنه كان منهم؟!
. . هذا ما دار من نقاش بيني وبين أحد الفلاسفة المعجبين بشيخ الإسلام وردوده !
إن ابن تيمية لا يكرِّس نفسه فيلسوفًا، ولكنه كناقد للفلسفة أثبت آراء فلسفية عظيمة لا يمكن تجاهلها! وهذا ما جعلهم يعدُّونه فيلسوفًا، مثل قول أحدهم:
- إن ابن تيمية كان أبرز ناقد للمنطق الصُّوري بين أرِسْطُو ومفكري ما بعد الحداثة. انتهى.
المشكل التأويلي هنا:
أنَّ من قرأ هذه العبارة يرى ابن تيمية سابقًا الفلاسفةَ المعاصرين، وأنه أفضل منهم، وأننا قادرون على الاستِغنَاء عن الفكر الغربي؛ ما دام لدينا مفكرون عظماء مثل ابن تيمية !
والحقيقة التي أعتقدها وأقررها:
أنه كان ناقدًا في عقول الأتباع والخصُوم؛ بل لم يُنقل عنه كلمة ثناء واحدة لهذه العلوم، بل وصفها بقوله: (لحم جمل غث، على رأس جبلٍ وعْر، ولا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل)
فكيف تحكمون عليه بأنه مؤصل لمذهبكم؟!
بل إنني أقول ما قاله الشيخ المحقق العلامة محمد خليل هرَّاس، الذي كان فيلسوفًا، بل أزهريًّا، ناقدًا ابنَ تيمية، رادًّا عليه، فأراد أن يرد عليه بتوسُّع، وفي نهاية أمره آلَ إلى أنْ بحَثَ رسالة دكتوراه، سمَّاها (ابن تيمية السلفي) !! وأصبح من مؤيدي ابن تيمية؛ رحمه الله وتقبل منه ما بذل في الدفاع عن الإسلام والسنة.
فأقول: ابن تيمية السلفي الناقد البارع! الذي عجزت نساء أهل الأرض أن ينجبن مثله بعده.
.
الذي دعاهُم للقول بفلسفية ابن تيمية:
أن أرسطو يقول: (إنك لا بد متفلسف، سواء أكنت مؤيدا للفلسفة أو خصما لها). أيْ لا يمكن أن تكون خصما للفلسفة مادمت لا تفقه فيها شيئا، ومادمت لا تفكر فيها من داخلها.
وهذا ما حصل لابن تيمية، فنقده مثلا للمنطق الأرسطي، ولمفهوم الحد، ولمبادئ المنطق كالمبدأ الذي ينص على أنه (لا يمكن أن تنال التصورات إلا بالحدود)، هو نقد فلسفيٌّ بكل ما تحمله العبارة مِن معنى!!
وهذا ما أدهشني كثيرًا !!
والمستفيد الأكبر من هذا النقد، ليس السَّلفيين أتباع شيخ الإسلام ولا خصومهم من العصريين، بل المنطق نفسه! وإلا فما انبهروا به ؛ فأدى ذلك إلى محاولة تسميتهم بـ(الفلسفة الإسلامية)، وهي محاولة غير صحيحة على كل حال، ولها من المساوئ الكثير، لا يتسع لها المقام.
ولكن الإفادة الحقيقة من نقد شيخ الإسلام أن الفلسفة والمنطق لم تقم لهما قائمة بعدُ، كما كان العهد بها أولًا، وهذا داخل في فذاذة عقله الذي لم أر له مثيلًا حتى يومنا هذا...
وبعدُ
فهذه كتابةٌ مختصَرةٌ جالَتْ خاطري أردتُ بيانها، وهناك بعض التفاصيل والتآصيل ينبغي ذِكرها، ولكن في مقالٍ آخر، يحْوِي مَن اعتمد عليهم شيخ الإسلام في فهم هذا العلم الوعر! وكيف حدث هذا !
وهل كان نقد ابن تيمية للفلسفة ضربًا في ميِّت..! أم بحثًا عن سندٍ عقليٍّ لإثبات العقائد؟
لعلِّي أكتب وأتوسع في مقال آخر، ولكن هذا مشروطٌ بمدَى الإقبال والردود والإعجابات بهذا المقال الذي بين أيديكم؛ لأعلم مَن المُتابع، ومدَى متابعة المهتمين.
والله من وراء القصد، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وآله وصحبه.
وكتب
أبومارية أحمد بن فتحي