
هَذِه هِيَ السَّلفِيَّة
فَتَذَكّرُوا يا أدْعِيَاء، وَأَبْصِرُوا يا عُقَلاء
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم أجمعين، وبعد: فالانتساب إلى السلف الصالح فخرٌ وأيُّ فخر، وشرفٌ ناهيك به من شرف، بل أصلٌ يُرتكز عليه.
قال الإمام أحمد رحمه الله: أصول السُّنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعةٍ فهي ضلالة، والسُّنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ
والسلفيةُ اصْطِلاحٌ شَرْعِيٌّ أصيل، يرادف: (أهل السنة والجماعة)، (أهل الأثر)، (أهل الحديث)، (أهل الاتباع)، (الطائفة الناجية والمنصورة).
وقد استخدم أهل السُّنة السلفيون هذا الاصطلاح ليُميِّزُوا أنفسهم عمَّن خالفهم في فَهْمِ واتِّباع كلام الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فكثيرٌ من مُسْلِمِي – بل دُعاةِ - اليوم يَزْعمُون أنهم يتَّبعُون الكتاب والسُّنة، وتجد عندهم زلات خطيرة، وأهواء كبيرة، ويختلف معهم بعضٌ آخرون وَهُم يَزعُمون الزعم نفسَه! ولكن ما هو الميزان الذي به يوزن كل دعِيٍّ؟
إنه فهم السلف الصالح رضي الله عنهم؛ بطاعتهم ولزوم جماعة من تابَعَهم، والولاء لهم، والبراءة ممن خالفهم، حيث إن السلف الصالحين أكثرَ مَن فَهِمُوا الفهم الصحيح للكِتاب والسُّنة؛ وهم الذين أوصَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بما كانوا عليه، فقد روَى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: «وتفترق أُمَّتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلاَّ ملة [أي: فرقة] واحدة»، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي». أخرجه الترمذي، وله شواهد أخرى، وهو حديث حسن.
فمن قال: أنا سلفي؛ فإنه يُوزَن بالميزان؛ فإن وافقت أفعاله ودعوته نهج السلف فهو ذاك، وإلا فليس بذاك، وهو مجرد زاعم لا غير ذلك.
وقد ظهر في مجتمعنا – خوارج العصر القَعَدِيَّة( )- مِمَّن يدّعون السلفية وهم عنها أبعد!
يُشبهوننا في رسمنا وشكلنا، يتكلمون بألسنتنا، تعرف منهم وتُنكِر!؛ فراحوا يجيزون الخروج على الحكام( )، والمظاهرات، والاعتصامات( )، والانتخابات، وانتشروا على الفضائيات، وصار الإعلام يصفهم بالسلفيين!!، ينشرون كلامًا للعلماء متشابه! تراجع العلماء عنه، فبيَّنوا المتقدم منه، وطوَوُا المتأخر! وأقنعوا الناس بأنه الحق الذي لا لَبس فيه، وأخبروهم أن المسألة خلافية! ومادام أن العلماء اختلفوا فلك أن تختار ما تريد! ونسوا قول السلف الذي ينتمون إليهم زورًا: من تتبع رخص العلماء تزندق.
وأقول: لو كانوا متبعين للعلماء حقًّا ما خرجوا وتظاهروا، وماكوّنوا الأحزاب السياسية!! فأين هم من كلام العلماء في ذلك؟!!
فيا مَن نشرتم كلام ابن باز في الانتخابات، أين أنتم من كلامه في التحذير من التحزبات والمظاهرات؟!
ويا مَن نشرتم كلام ابن عثيمين في الانتخابات، أين أنتم من كلامه في التحزبات والمظاهرات؟! وأين أنتم من تراجعه عن جواز الانتخابات في كتابه: «الشرح الممتع»؟! أم أنتم لا تقرءون؟! وإذا قرأتم لا تفهمون؟!
فهم يخلطون الأوراق، ويتخبطون خبط عشواء! ويستدلون بالعمومات والمتشابه، ويفعلون كل ما سبق وغيره مما شابه؛ بل ويأخذون ببعض كلام العلماء مما تراجعوا عنه قبل وفاتهم ولا يبيِّنون ذلك؛ تلبيسًا منهم على الناس، أو جهلا!!، وأخذوا يصفون كل من أطلق لحيته والتحق بهم وشاركهم بـ(سلفي) غير ناظرين إلى اعتقاده ومنهجه؛ كل ذلك باسم السلفية! والسلفية من كل ذلك براء.
وكلٌ يدَّعي وصلاً بليلى ****** وليلى لا تـقر له بذاك
إذا انبجست دموعٌ في عيون ٍ ****** تبـيَّـن من بكى ممن تباكى
فأما من بكى فيذوب وُجْدًا ****** وينطق بالهوى مَن قد تباكى
فكان لابد من بيان؛ يُـبـَيـّن فيه السلفية الحقة، والطريقة الصحيحة لاتباع السلف الصالح.
ولا حظّ في السلفية لمن ترك أصولها!! وذهب للأحزاب والجماعات وتفرَّق عن جماعة المسلمين؛ فالله عز وجل يقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}
طريقة دعوتنا( ) السلفية - إلى الله - التي يجب أن يكون عليها من أراد النجاة
1 - ندعوا إلى كتاب الله عز وجل، وسُنة رسوله صلوات الله عليه وسلامه، بالحكمة والموعظة الحسنة على فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ لا ننظر إلى الوسائل التي اخترعها المُدَّعون: مثل التكتلات، وإنشاء الأحزاب السياسية، والدُّخول في البرلمانات، والظهور على الفضائيات ـ إلا من كان سلفيًّا محضًا ولم يداهن أولئك المُدَّعون بل ردّ عليهم، وحذَّر منهم ـ ، وغير ذلك من وسائل غالبها المخالفات، وإن ادّعى شخص ببعض ما فيها من مباحات!.
2 - نعتبر أهم واجباتنا الشرعية مواجهة الأفكار المستوردة، والبدع الدخيلة على الإسلام؛ بالعلم النافع، والدعوة إلى الله، ونشر الوعي وتصحيح المعتقدات والمفاهيم، وجمع كلمة المسلمين على ذلك.
3 – نعتقد أن الأمة الإسلامية ليست بحاجة إلى ارتكاب وسائل محرمة في أصلها بغرض نصرة الدعوة ـ إذ لا يُتقرب إلى الله بما حرَّم ـ وهذه الوسائل مثل الـثورات، والاغتيالات، والاعتصامات، والمشاركة في الحزبيات، ولكن الأمّة بحاجة إلى التربية الإيمانية، والتصفية الفكرية، وهاتان أنجح الوسائل؛ لإعادة الأُمَّة إلى عِزِّها ومجدها؛ وليعلم كل من يريد الحق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتنازل عن شيء من دينه للوصول إلى مصلحة شرعية.
ومن استدلوا بما حدث في الحديبية فنقول لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرك ساكنًا إلا بوحي من الله! {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يوحَى}، وأنتم عندكم سُنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ترشدكم عما تفعلونه فيما ظهر من فِتن؛ فأين أنتم مِن سُنَّته؟! وأين أنتم من السلف الصالح الذي تزعمون أنكم تـنـتمون إليهم؟!
4- نعتقد وجوبًا الرد على كل من خالف المنهج السلفي الحق - وأعلن بهذا ودعا إليه -، وإن كان من أهله، لا من باب الفضيحة، ولا من باب الشماتة أو التشفي، وإنما دفاعًا عن هذا المنهج العزيز الذي صار يدَّعيه كل دخيل، مع اعتبار الفارق في طريقة الرد على المخالف السلفي من المبتدع.
وختامًا: نحب أن ننبه إلى أن مِن دوافع هذا البيان أننا رأينا بعض الدعاة يتكلمون باسم السلفية، وأرادوا بذلك أن يصبغوها في صفتها بالتوجهات السياسية، على الرُّغم مما في تلك التوجهات من تناقضات وأخطاء شرعية؛ علمًا بأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم وحزبهم الذي ينتمون إليه؛ ولا يمثلون السلفية في شيء، والسلفية من أفكارهم برآء.
والعبرة بالدليل، والاتباع، لا بالكثرة، والظهور، والقيل، والابتداع.
ونُصحٌ لعامة المسلمين أخير، بوصية البشير النذير صلى الله عليه وسلم وقت الفِتن، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ستكون فتنٌ، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرَّف لها؛ تستشرفه، فمن وجد منها ملجأً أو مَعاذًا فليعذ به» رواه البخاري (3406).
فإياكم والاستشراف للفتن!، فإنكم لو خرجتم لها جَرَفَتْكُم بأمواجها وعواصفها، وخضتم مع الخائضين. فالزموا طاعة ربكم، وتعلَّموا أمر دينكم، وتمسّكوا بسُنة نبيكم، والزموا بيوتكم، والزموا أعمالكم والسعي على أرزاقكم، ولا تظنوا ذلك سلبية - كما يضحكون عليكم -، بل السلبية في جهلكم بدينكم، والسعي وراء من هب ودب! والإيجابية في طاعة ربكم والتزام أمر نبيكم.
ونصحٌ لدعاة اليوم: اتقوا الله، وراجعوا أنفسكم، وابحثوا في سُنة نبيكم، وأحوال سلفكم، وخُذُوا من كلام علمائكم الميـِّتِين؛ فإن الحيَّ لا تُؤمَنُ عَليهِ الفتنة. وتكلموا بعلم! أو اسكتوا بحلم! وتذكَّروا أنكم ستقفون أمام الله عز وجل، كلٌّ منكم بمفرده ليس بنكم وبينه سبحانه وتعالى تُرجمان.
وتذكَّروا قوليَ ابن مسعود رضوان الله عليه: اتَّبِعُوا، ولا تَبْتَدِعُوا؛ فقد كُفيتم!. وأيضًا: الاقتصاد في السُّنة خيرٌ من الاجتهاد في البدعة.
فالله الله في السُّنة، وموعد المتَّبِعِين...حوض سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب
أبو مارية أحمد بن فتحي
الثلاثاء 11 محرم 1433 هـ
الموافق 6 كانون الأول 2011 م
