مرحلتا طلب العلم والخلط بينهما لأبي مارية أحمد بن فتحي

الحمد لله، وبعد:
طالب العلم يمر بمرحلتين في طريق طلبه:
الأولى: 
مرحلة الفهم.
وهي المرحلة الابتدائية التي يبدأ فيها الطالب بفهم مباديء العلوم ومفاتحه، فيبدأ بحفظ القرآن وفهم معانيه، وحفظ شيء من السُّنة وفهم ما توجه إليه، وفهم النحو والصرف وشيء من البلاغة، مع حضور دروس مبادئ الفقه وأصوله، والعقيدة وقواعدها الأصيلة الأساسية عند الشيوخ حتى يختم كتابًا أو أكثر، بحيث يستطيع من خلال ما درسه أن ينتقل لمرحلة التوسع والاستقراء؛ لأنه فهم المبادئ.
الثانية:
مرحلة التوسع.
وتأتي بعد المرحلة السابقة، فمن المفتَرَض أنه حفظ القرآن أو جُله، وحفظ متنًا أو اثنين مِن السُّنة الصَّحيحة، وعرف المصطلح إذ يستطيع أن يميز بين الصحيح والضعيف، وعرف الأصول الفقهية والقواعد، ومسائل الاعتقاد المهمة، بل وانتهى من عدة كتب في ذلك، وأخذ النحو بحيث يستطيع أن يتكلم مدة ساعة على الأقل دون لحن، أو أن يكتب بحثًا صحيحًا دقيقًا مخرجا أحاديثه.
** ومن هنا يظهر الفرق بين هذين بالنسبة للحضور عند الشيوخ:
الأول يواظب مواظبةً على الحضور ويذاكر
أما الثاني فلا يواظب بالقدر الذي يواظب به الأول، بل يستفيد من بُعد، وعلى فترات، ويستفيد من شيخ واثنين، ويناقش هنا وهناك ليجمع، ويطالع المطولات، ويظل في توسع، مع بذله من العلم بقدر الاستطاعة لمن حوله من مبتدئين وعوام.
وبعد فَهم المراد، والذي ينبغي أن يكون، نأتي للأخلاط الحاصلة...
** الأخلاط التي حصلت في هذه الأيام الأخيرة:
- بعض الطلبة يحضرون أكثر من أربع وخمس سنوات، ولا يزالون في المرحلة الأولى.
- أصحاب المرحلة الأولى ينكرون وبشدة على صاحب المرحلة الثانية؛ إذ لا يحضر معهم بنفس الانتظام! وقد جهل المسكين أنه مسبوق!
- قد يكون الشيخ يشرح كتابًا - كالآجرومية مثلًا- يحتاجه صاحب المرحلة الأولى ولا يحتاجه صاحب المرحلة الثانية، بل تعداه؛ فيوفر وقته لما هو أهم بالنسبة لمرحلته؛ فيظن المسكين الأول أنه عزوف!
- انقطاع صاحب المرحلة الثانية عن الشيخ لأمور توسُّعِه ودعوته وما تكاثر عليه من مستجدات؛ جعل صاحب المرحلة الأولى (المسكين) يظنه عزوفًا وزهدًا في الشيخ وعلمه.
- يظن صاحب المرحلة الأولى، أن كل مَن يحضرون معه على نفس مستواه.
- بعض من تخطوا إلى المرحلة الثانية لا يزالون في سُبات، ولو ذهب شيخهم؛ وقفوا، وهؤلاء قلة.
- بعض مَن تصدروا للمرحلة الثانية هم أصلًا لا يزالون في المرحلة الأولى، إذ لم يلموا شتات المباديء الأولى من العلم كلها؛ فعنده بعض النقائص في مباديء النحو، أو حفظ القرآن ــ وهذا كثير ــ.

** النتيجة:
- التهاجر.
- اتهام المسكين لمن سبقه، وإساءة الظن به.
- عدم متابعة الشيخ نفسه، أو انشغاله، إذ لم يعرف مَن تعدى وانتهى مِن مرحلةٍ لغيرها، ولم يوظف جهود طلابه في نشر علمه، بل علم الكتاب والسنة أصلًا.
وأخيرًا، قد رأيت هذا كثيرًا وعاينته بالذات في بلدنا مصر، والله المستعان.
** والنصيحة المُوجَّهة من خلال هذه الكلمة الوجيزة:
أن يجتهد المبتديء في التحصيل، وأن يعرف قدر نفسه، وأن يشكر جهود من سبقوه، ويحسن الظن بهم.
وعلى الطالب المتوسِّع أن لا يلتفت للوراء، وأن يكمل السير؛ فالطريق طويل، وأن يجتهد في التوسع والتحصيل، وأن يعدد شيوخه، وأن لا يترك الدعوة إلى الله.
اللهم صل على محمد وآله وصحبه، والحمد لله.
وكتب