مصر في العصور الاسلامية/ الجزء السابع

قبل الكلام عن الأيوبيين لابد من ذكر أصلهم ونسبهم.. فهم ينتسبون إلى (أيوب بن شادي) من بلدة (دوين) الواقعة عند آخر حدود أذربيجان بالقرب من تفليس في أرمينية، وجميع أهل ذلك البلد من الأكراد.
غير أن بعض الأيوبيين حاول أن يبتعد عن الأصل الكردي، وأن يلتصق بالدم العربي وبنسل بني أمية على وجه الخصوص، وأنكروا نسبتهم إلى الأكراد، وقالوا: «إنما نحن عرب؛ نزلنا عند الأكراد، وتزوجنا منهم».
لكن صلاح الدين أنكر هذا النسب العربي، وقال: «ليس لهذا الأصل أصلٌ».. ادعاء..
ولم يكن العادل الأيوبي أقل إنكارًا من أخيه صلاح الدين لهذا الأمر.. وليس هذا تنكرًا بل هو إنصاف حتى لا يتشبع بما لم يُعط.. لا كما يفعل ممن يلتصقون بالنسب الشريف زورًا وبهتانًا..ويكثر هذا عند الصوفية، والله المستعان.
ثم انتقلت الأسرة من (دوين) في بداية القرن السادس الهجري = الثاني عشر الميلادي، حين غادر (شادي) مع ابنيه: (نجم الدين أيوب) و(أسد الدين شيركوه) المنطقة إلى جزيرة تكريت؛ حيث عينه شحنتها مجاهد الدين بَهْرُوز حاكمًا عليها؛ نظرًا لصلات الصداقة التي تربطهما، ولمَّا تُوُفِّيَ خلفه ابنه نجم الدين أيوب.
لمزيد تفصيل، ارجع إلى: «وفيات الأعيان» لابن خلكان.
.
نجح نجم الدين أيوب في مهمته، فتولى منصب الوزارة في مصر في ظل الحكم الفاطمي الشيعيي، وعندما توفي في (564هـ ــ 1169م) خلفه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي في المنصب.
وبعد تنافسات على رئاسة الوزارء؛ تعين صلاح الدين خلفًا له كما سبق..
بقرار الخليفة (العاضد)؛ لاعتقاده أن صِغَر سنِّه وافتقاره للتجربة سوف يرغمانه على الاعتماد على موظفي الدولة الفاطمية، وتجعله أداة سهلة في يد الخليفة، يستغلها في القضاء على بقية أعوان أسد الدين شيركوه.. إذْ كان عمر صلاح الدين آنذاك اثنتين وثلاثين سنة، ولقَّبَه بالملك الناصر.
أخذ صلاح الدين يقوي مركزه في مصر، ويضع يده على مقدرات الدولة، ويعمل على اكتساب محبة أهلها؛ ليشتدَّ بهم أزرُه ويستقلَّ بهذه البلاد.. ويتخلص من فُجر وبدع الشيعة.
فهمَّش بذلك دور الخليفة؛ مما أثار حفيظة عدد من صنائع العبيديين الذين قاموا بالعديد من الثورات والمؤامرات؛ لأجل إعادة الحكم لسادتهم، وقد استعانوا في مؤامراتهم تلك بـ(الصليبيين) أعداء الأمة، وكذلك بـ(فرقة الإسماعيلية) الباطنية الشيعية المعروفة بالحشيشية، ولكنَّ الله مكَّن صلاح الدين من القضاء على تلك المؤامرات.
في هذا الوقت كانت بلدان المشرق العربي تشهد فراغًا سياسيًا بعد وفاة نور الدين بسبب الانقسامات بين القادة والمتنفذين، وكان الصليبيون يراقبون مايجري عن كثب ويتحينون الفرص المواتية للتدخل.
فلم يكن أمام صلاح الدين سوى أن يزحف إلى الشام لبناء قاعدته الداخلية؛ فتوجه إليها وضمها إلى مصر، ثم تابع معاركه ضد المعارضين إلى أن بلغ (الموصل) شرقًا ثم اتجه إلى (إفريقية) فأرسل حملة مكنته من الاستيلاء على سواحلها الشمالية، واسترداد (قابس) من النورمانديين، وبعث بحملة أخرى إلى (السودان) فضمها إلى ممتلكاته، وأرسل أخاه (طوران شاه) إلى (اليمن) فدخلها وضمها مع (الحجاز) إلى دولته التي أصبحت في نهاية عام (570هـ ــ 1174م) قوة إقليمية وسط صخب الأحداث التي كانت تشهدها المنطقة.

بعد أن اطمأن إلى وضعه الداخلي وجه اهتمامه إلى تحرير بلاد الشام من الاحتلال الصليبي، وتم على يديه تحقيق النصر الكبير في (حطين)، وأخرج الصليبيين من بيت المقدس وبعض المدن والحصون في سواحل بلاد الشام..
ومع أن الصليبيين حاولوا غزو مصر أكثر من مرة بهدف إضعافها غير أن صلاح الدين كان على الدوام يتصدى لمحاولاتهم، ويحبط خططهم فكان الجهاد من أبرز سمات عصره.
حتى اضطرهم لعمل هُدنة..، وكان من الأفضل للصليبيين ــ وقد كانوا في حالة صراعٍ داخليٍّ ــ أن يلتزموا بشروط الهدنة التي عقدوها مع المسلمين، وهي الهدنة التي ضمنت حماية القوافل التجارية بالتنقل بِحُرِّية وأمنٍ ما بين القاهرة ودمشق...
بعد وفاة صلاح الدين سنة (589هـ ــ 1193م) تقطعت أوصال دولته بسبب الشقاق الذي شجر بين إخوته وأبنائه ! وصارت مصر وسائر الممالك العربية مطمعًا للصليبيين..
فقام شقيقه الملك العادل بفرض سيطرته على مصر التي استمر حكمها في أبنائه وأحفاده حتى نهاية العصر الأيوبي.
وبالشقاق والنزاع تسقط الدولة الأيوبية، وهكذا إذا أردت أن تُسقط دولةً فاجعل بأسهم بينهم شديد، وفرق بين أهلها، ولكننا لا نتعلم من التاريخ...
يتبع: (مصر في عهد دولة المماليك).
----------------------------------------------------------------------------
اضغط إعجاب بـ مدونة أبي مارية أحمد بن فتحي ليصلك الجديد.