الرطانة سبب المهانة

 صورة ‏مدونة أبي مارية أحمد بن فتحي‏.
الحمد لله، وبعدُ، عَود على بدء أقول:
إن ربَّنا -جل جلاله- قد وهبَنا لغةً عظيمةً، فهي خيرُ لغةٍ.. لخير رسولٍ.. بخير كتابٍ.. لخير أمةٍ! ... فما ظنك بعد هذا الشرف العالي ؟!
والنقل يقول: {ولئن شكرتم لأزيدنكم}.
والعقل يقول: «كلُّ نعمةٍ تسوجب شكرًا».
وإن مِنْ شُكْرِ هذه النعمة أن نُحافظ عليها اعتزازًا، ونعلمها الأجيال تعليمًا، ونبعث في نفوسهم محبتها، والحفاظ عليها، ونشرها بدلًا من طمْسِها...
ومِن شُكرها والاعتزاز بها:
- اتخاذها وسيلة مخاطباتنا.
فلا نلجأ إلى غيرها من غير حاجة، وكما أن هذا يُعد وفاءً لها ؛ فهو كذلك من جملة أمورٍ تحفظها، وتحفظ كِيان مَن ينتسبون لها، ويتكلمون بها! فلا عزة لنا بين أهل الألسن بغيرها..
قال ابن تيمية رحمه الله:
«واعلم أن اعتياد اللغة:
- يؤثر في العقل والخلُق والدِّين تأثيرًا قويًّا بيِّـنًا.
- ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين.
ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق»، انتهى كلامه.
قلتُ:
وهذا مشاهَد لا يخفى، فإن المُحاكاة تؤثِّر على نفس المُحاكِي.
ولذلك، حذَّر الله في كتابه، ورسولُه في سُنتِه من التشبه بغير المسلمين في كبيرٍ أو صغير، او كثيرٍ او قليل؛ لئلَّا يمس الإنسان شظاياهم..
وقال رحمه الله:
«وأيضًا فإن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإنَّ فَهْم
الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به
فهو واجب»، انتهى.
فجعل رحمه الله تعلُّم اللغة والإتيان بها؛ واجب فرض!
وأقول:
الوجوب يكون عيْنًا أو كفايةً، فلا نطالبك بتعلم القواعد قاعدةً قاعدةً على حِدة! ــ وإن كان هذا أولى وأجدرــ بقدر ما نطالبك..، ويتعين عليك ترك الرطانة، والذهاب للقباحة تاركًا الفصاحة.
وجاء عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن عمر بن زيد، قال:
كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: «أما بعد: فتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن ، فإنه عربي ».
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: « تعلموا العربية ؛ فإنها من دينكم ، وتعلموا الفرائض؛ فإنها من دينكم».
قلتُ:
وهذا أمْر عُمرَ في زمانه! حيث كانت اللغة بخير؛ فما ظن عمر لو رأى رطانة زماننا؟!
لَمَا ترك من يده دِرَّته!
واعلم أن قوَّتك وعِزتك في لغتك! فعلى قدر تمسكك؛ تكون العِزة والمنَعة..
قال ابن حزم رحمه الله:
« فإن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها، ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم، أو بنقلهم عن ديارهم، واختلاطهم بغيرهم، فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها، ونشاط أهلها وفراغهم.
وأمَّا مَن تَلِفَتْ دولتهم، وغلب عليهم عدوهم، واشتغلوا بالخوف والحاجة، والذل وخدمة، أعدائهم...؛ فمضمونٌ منهم موت الخواطر ...، وربما كان ذلك سبباً لذهاب لغتهم ، ونسيان أنسابهم وأخبارهم ، وبُيود علومهم ،،،، هذا موجود بالمشاهدة، ومعلوم بالعقل ضرورة»، انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام، ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمِصْرِ وأهله ، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه ، أو لأهل السوق ، أو للأمراء ، أو لأهل الديوان ، أو لأهل الفقه ، فلا ريب أن هذا مكروه ؛ فإنه من التشبه بالأعاجم ، وهو مكروه كما تقدم ».
وقد قصد بالكراهة هنا : التحريم؛ فانتبه!
فدع عنك الرطانة، والفرانكو الخبيث البغيض، ولا تُدخِل في لغتك غيرَها؛ فهي عزيزة لا تبغي شريكة! حتى في هذا الفيس بوك! لماذا تكتب اسمك بحروف غير حروف كتاب ربك التي اختارها لك ولدينك -الذي هو أعز عليك من نفسك؟!
فإن كان أعظم كلامٍ أنزله الله بالعربية وأصواتها وحروفها؛ فما بالك بما دُونَهُ من أصواتٍ وحروف ؟!
ابدأ من الآن.. غيِّر حروفك، وأرقامك، وهاتفك إلى العربية ! وعدِّل كلامك وفتِّش فيه ــ قدر استطاعتك ــ فالمسألة دين !
ولا تكن عونًا للحاقدين على لغة ديننا؛ فآهٍ لو تعلم كم بذل الأولون ليحفظوها لنا، وتصل إلينا .. أتأتي أنت وتضيعها ؟! إني أعظك ان تكون من الجاهلين...ابدأ لله !
اللهم صلِّ وسلم على نبيِّنا محمدٍ وآله وصحبه.
وكتب
أبومارية أحمد بن فتحي