التكبير عند القراءة، وبيان تعريفه وحكمه تفصيلا


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله على آلائه‏‏، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسمائه‏،‏ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وآله وأصحابه صلاة دائمة إلى يوم لقائه، أما بعد:

فقد انتشر التكبير واشتهر عند كثير من قراء القرآن، لاسيما عند ختماتهم ووصولهم لسورة الضحى أو غيرها، وجرى عليه عمل كثير من القراء، وهنا بيان تفصيله بفضل الله ومنّته، وحوله وطوله وقوته:

فالتكبير المعروف عند القراء والحفاظ لكتاب الله هو كالآتي:
قول القارئ: الله أكبر.

ومنهم من أضاف وجوَّز التهليل والتحميد معه عند حفص من طريق طيبة النشر (المعروف لدى البعض بـ القصر، أو قصر المنفصل)

وكذلك لباقي القراء العشرة عند سور الختم من آخر الضحى إلى آخر المصحف؛ وذلك إذا قصد تعظيمه؛ على رأي بعض المتأخرين كالشيخ علي الضباع رحمه الله (شيخ الشيخ محمود خليل الحصري رحمه الله)

قال الشيخ المرصفي معضدًا لكلام الضباع:
وهو رأي حسن، ولا التفات إلى من أنكر التهليل والتحميد مع التكبير عند سور الختم في رواية حفص، فقد أجازه له غير واحد من الثقات. انتهى كلامه (!!!)

ولذكر التهليل والتحميد مع التكبير طريقتان:
1- يقدم لفظ التهليل على التكبير بأن يقول القارئ: لا إله إلا الله والله أكبر. ثم يبسمل ويبتدئ السورة....

2- يقدم لفظ التهليل على التكبير، ويؤخر لفظ التحميد عن التكبير بأن يقول القارئ: لا إله إلاالله والله أكبر ولله الحمد. دفعة واحدة بلا فصل التهليل عن التكبير، ولا التكبير عن التحميد، ولا الإتيان بالتحميد بعد التكبير من غير التهليل، بل توصل كلها دفعة واحدة دون وقف أو سكت.

واستدلوا بقول ابن الجزري رحمه الله حيث قال: التهليل مع التكبير مع الحمدلة عند من رواه حكمه حكم التكبير، لا يفصل بعضه عن بعض، بل يوصل جملة واحدة، كذا وردت الرواية، وكذا قرأنا لا نعلم في ذلك خلافًا. انتهى كلامه.

ومحل ذلك التكبير:
أن يُؤتَى به قبل البسملة، وأول السورة.

وقد اختلف أهل الأداء في التكبير عامة:
أولا، التكبيرالعام:
وهو التكبير أول كل سورة، من أول الفاتحة إلى آخر القرآن الكريم قبل البسملة، سوى أول سورة براءة.
وهذا يُعرف بالتكبير العام.

وسُمّيَ عامًّا: لأنه يأتي في جميع سور القرآن. ما عدا سورة براءة (التوبة)، فلا تكبير في أولها.
وسبب ترك التكبير في أول براءة: أن التكبيرلابد من اقترانه بالبسملة مقَدَّمًا عليها كما أسْلَفتُ.

ثانيا، التكبير الخاص:
وهو خاص بسور الختم من سورة ( الضحى) إلى سورة (الناس).

وللقراء في التكبير الخاص مذهبان، ولا داعي للتوسع أكثر من هذا؛ لأن الكلام عليه طويل بلا فائدة.

وروي التكبير عن:
ابن كثير المكي القارئ المعروف، من روايتي البزي، وقنبل وغيرهما ممن رووا عنه. (وسيأتي الكلام عن الروايات التي استدلوا بها)
وروي كذلك عن السوسي عن أبي عمرو.

وممن ذكر التكبير أيضًا عند ختم القرآن مع البسملة:
الهذلي، وابن مؤمن.
وبعضهم يذكره في موضعه عند سورة: (الضحى) كأبي العز القلانسي، والحافظ أبي العلاء الهمذاني، وابن شريح.
وجعله جمهور القراء في باب منفصل في آخر كتب الخلاف، كما فعل ابن الجزري؛ لتعلقه بالختم والدعاء، ولتعلقه بالسور الأخيرة.
وبعضهم لا يذكره أصلا كابن مجاهد، وابن مهران.
ولمّا أشار ابن الجزري رحمه الله إلى التكبير في طيبة النشر قال:


وسُنَّةُ التكبيرِ عند الخَتْم صَحَّتْ *** عَنْ المَكِّينَ أَهْلِ العِلْمِ


في كلِّ حَال ولدى الصلاةِ *** سُلـْسِلَ عَنْ أَئِمَّة ثِقَـاتِ


مِنْ أَوَّلِ انشِراح أَوْ مِنْ الضُّحَى *** مِنْ آخِر أَوْ أَوَّل قَـدْ صُحِّحَا


للنِّاسِ هكذا وقَبْلُ إنْ تُرِدْ *** هَلِّلْ وَبَعْضٌ بعدَ لله حَـمِدْ


ثُمَّ اقرإِ الحمدَ وخمسَ البقره *** إِنْ شِئْتَ حِلا وارتحالا ذَكَرَهْ




أما الحكمة من ورود التكبير عند ختم المصحف (عند القائلين به) :
أن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي، فقال المشركون: قَلَى محمدًا ربُّه، فنزلت سورة (والضحى)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر» وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُكَبَّرَ إذا بلغ (والضحى) مع خاتمة كل سورة حتى يختم.
وهو قول الجمهور من أئمة القراءة كأبي الحسن بن غلبون، وأبي عمرو الداني، وأبي الحسن السخاوي، وغيرهم من متقدم ومتأخر.


قالوا: فكبَّر النبي شُكرًا لله تعالى لمَّا كذَّب المشركين.
وقال بعضهم: قال «الله أكبر» تصديقًا لما أُنْكِرَ عليه، وتكذيبًا للكافرين.
وقيل: فرحًا وسرورًا بنزول الوحي.
وقيل: كبَّرالنبي فرحًا وسرورًا بالنعم التي عدَّدَها عليه في قوله تعالى: (ألم يجدك يتيمًا فآوى) إلى آخر الآيات الكريمات.
وقيل: يُحتمل أن يكون تكبير النبي صلى الله عليه وسلم سرورًا بما أعطاه الله عز وجل له، ولأمته حتى يرضيَهُ في الدنيا والآخرة.


نأتي لذكر أدلة من قال بالتكبير، ونقدها:
قلت آنفًا: إنه قد ورد عن أحد رواة ابن كثير (وابن كثير أعني به المكي وليس الحافظ صاحب التفسير) وهو البَزي


وإليك بعض الأحاديث المتعلقة بالتكبير حال الختم:
حديث التكبير ورد مرفوعًا وموقوفًا:
فالمرفوع:
رواه الفاكهي في أخبار مكة (3/35)، والحاكم في مستدركه (3/344) وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: البَزي قد تكلم فيه. انتهى
ورواه البيهقي في شعب الإيمان (2/371) من طريق الحاكم، ورواه الثعلبي في تفسيره في آخر سورة الشرح، ورواه البغوي في تفسيره (8/459)، كلهم من طريق البَزي عن عكرمة بن سليمان عن إسماعيل بن عبد الله عن شبل بن عباد عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أُبَيِّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والبَزي ضعيف، وعكرمة بن سليمان مستور.


وأما الموقوف:
فقد جاء على أبي بن كعب، فرواه البيهقي في شعب الإيمان (2/370)، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/311) : وهذه سُنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد البَزي. انتهى، وكأنه رحمه الله يميل إلى جواز التكبير.


والواقع أن البَزي لم ينفرد بها؛ فقد وُجدت طريقًا لهذا الحديث من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال أخبرنا الشافعي قال حدثنا إسماعيل بن قسطنطين به، أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (2/56)، ومن طريقه أخرجه المِزِّي في تهذيب الكمال (24/366).
فمداره على إسماعيل بن عبد الله.


وقد تكلم العلماء على هذا الحديث: فقال عنه أبو حاتم: حديث منكر. نقله عنه ابن أبي حاتم في العلل.
وكذا قال الذهبي، انظر: «السير (12/ 51)»، وقال أيضًا في ميزان الاعتدال: غريب، وهو مما أنكر على البزي. انتهى كلامه.


وسئل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية عن مسألة التكبير السؤال التالي:
جماعة اجتمعوا في ختمة وهم يقرءون لعاصم وأبي عمرو فإذا وصلوا إلى سورة الضحى لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا ؟ وهل الحديث الذي ورد في التهليل والتكبير صحيح بالتواتر أم لا ؟


فأجاب:
الحمد لله، نعم إذا قرءوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل: بل المشروع المسنون، فإن هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور ولافي أواخرها. فإن جاز لقائل أن يقول: إن ابن كثير نقل التكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاز لغيره أن يقول: إن هؤلاء نقلوا تركه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذ من الممتنع أن تكون قراءة الجمهور التي نقلها أكثر من قراءة ابن كثير قد أضاعوا فيها ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم; فإن أهل التواتر لا يجوز عليهم كتمان ما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله، فمن جوز على جماهير القراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأهم بتكبير زائد فعصوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا ما أمرهم به استحق العقوبة البليغة التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك.
وأبلغ من ذلك البسملة; فإن من القراء من يفصل بها، ومنهم من لا يفصل بها، وهي مكتوبة في المصاحف، ثم الذين يقرءون بحرف من لا يبسمل لا يبسملون، ولهذا لا ينكر عليهم ترك البسملة إخوانهم من القراء الذين يبسملون؛ فكيف ينكر ترك التكبير على من يقرأ قراءة الجمهور ؟! وليس التكبير مكتوبًا في المصاحف وليس هو في القرآن باتفاق المسلمين.
ومن ظن أن التكبير من القرآن فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتل. بخلاف البسملة; فإنها من القرآن حيث كتبت في مذهب الشافعي، وهو مذهب أحمد المنصوص عنه في غير موضع، وهو مذهب أبي حنيفة عند المحققين من أصحابه وغيرهم من الأئمة; لكن مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما أنها من القرآن حيث كتبت البسملة وليست من السورة، ومذهب مالك ليست من القرآن إلا في سورة النمل وهو قول في مذهب أبي حنيفة وأحمد.
ومع هذا فالنزاع فيها من مسائل الاجتهاد، فمن قال: هي من القرآن حيث كتبت، أو قال: ليست هي من القرآن إلا في سورة النمل كان قوله من الأقوال التي ساغ فيها الاجتهاد.
وأما التكبير: فمن قال إنه من القرآن فإنه ضال باتفاق الأئمة، والواجب أن يُستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ فكيف مع هذا ينكر على من تركه؟!
ومن جعل تارك التكبير مبتدعًا أو مخالفًا للسنة أو عاصيًا فإنه إلى الكفر أقرب منه إلى الإسلام والواجب عقوبته; بل إن أصر على ذلك بعد وضوح الحجة وجب قتله.
ولو قُدِّر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتكبيرلبعض من أقرأه كان غاية ذلك يدل على جوازه أو استحبابه؛ فإنه لو كان واجبًا لمَا أهمله جمهور القراء، ولم يتفق أئمة المسلمين على عدم وجوبه، ولم ينقل أحد من أئمة الدين أنّ التكبير واجب، وإنما غاية من يقرأ بحرف ابن كثير أن يقول: إنه مستحب، وهذا خلاف البسملة فإن قراءتها واجبة عند من يجعلها من القرآن، ومع هذا فالقراء يسوغون ترك قراءتها لمن لم ير الفصل بها فكيف لايسوغ ترك التكبير لمن ليس داخلا في قراءته.
وأما ما يدعيه بعض القراء من التواتر في جزئيات الأمور فليس هذا موضع تفصيله. انتهى كلامه النفيس؛ رحمه الله من مجموع الفتاوى (13/417).


أما العلامة الألباني رحمه الله: فقد أنكر - بإطناب وإسهاب كغالب أحواله جزاه الله خيرًا - ما ورد بشأن التكبير في السلسلة الضعيفة في حديث رقم (6133).
وفضَّلت أن أعزو فقط لعدم الإطالة أكثر من هذا، ولأن هذا سيأتي بيانه مؤخرًا إن شاء الله تعالى في مشاركة تالية.


وأما العلامة ابن باز رحمه الله: فقد قرأت إنكاره وتضعيفه لِمَا ورد بشأن التكبير، وأنا بصدد البحث عنه حتى آتي به موثقًا إن شاء الله تعالى.


وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: لا يصح في التكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته، وعامة ما يُروى مما لا تقوم به حجة.


وسأنقل تراجع الشيخ علي رضا (مدرس القراءآت بالمسجد النبوي) حفظه الله: وهو من الباحثين في هذا العلم حيث إنه كان يقول بجواز التكبير ثم تراجع جزاه الله خيرًا.


وسأنقل مقالين له في المشاركة التالية بإذن الله.



وأقول [أحمد] الخلاصة:
أن التكبير ورد في قراءة عبد الله بن كثير قارئ مكة، وهو أحد القراء العشرة، وذكر أنه روى ذلك عن مشايخه إلى الصحابة، وأنه من آخر سورة الضحى إلى سورة الناس.
والصحيح أنه لم ينقل هذا التكبير أهل الحديث، بل أنكروه.
فهو لم يثبت مرفوعًا.
ومن العلماء من قالوا ببدعيته أصلا؛ كما حدثني بذلك الأخ الشيخ الحبيب أحمد بن يحيى الزهراني سدده الله.


وعلى قول شيخ الإسلام:
أنه تَرَكَ الخيار إما بالإتيان بالتكبير للبزي فقط أو عدمه.
يقصد رحمه الله:
أن من قرأ برواية البزي عن ابن كثير فيأتي بالتكبير، ومن قرأ بأي رواية عن أي قارئ غير ابن كثير المكي فلا يصح التكبير.


ولكن للأسف الآن نجد أن الكثير من المشايخ المقرئين يطلبون من الطلبة التكبير سواء كان للبزي أو لغيره؛ يزعمون أنه مادام ورد حديث واحد فهو جائز؛ كما أسلفت في بيان طرق حفص عن عاصم أنهم يثبتون التكبير في الطرق التي وردت عن حفص!؛ فعفا الله عنا وعنهم.


والعلم عندالله، والتوفيق منه وكذا رضاه، وأسأل الله أن أكون وُفقت في هذا التفصيل، وإن كان من خطأ أو زلل فمن نفسي والشيطان.
والحمد لله رب العالمين.



وكتب
الفقير إلى عفو ربه القدير
أبو مارية أحمد بن فتحي الزيني
سامحه الله

********************************

وإليكم مقالي الشيخ علي رضا حفظه الله، وجزاه الله خيرًا لتراجعه الحسن، حيث قال:
الصحيح أن حديث التكبير منكر كما قال أهل الحديث
كنت قد سئلت عن حديث التكبير الذي رواه الحاكم في «المستدرك» (3/ 304 )؟
فأجبت بما يلي :
سئلت عن حديث التكبير الذي رواه الحاكم في «المستدرك» (3/ 304 ) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورده الذهبي بقوله: البزي قد تكلم فيه.
قلت: قد تابعه قنبل. واسمه: محمد بن عبد الرحمن المخزومي المعروف بقنبل، وهو ممن تغير تغيرًا شديدًا، لكنه امتنع عن الإقراء قبل موته بسبع سنين، كما في ترجمته من «لسان الميزان»
(5 / 250 )، فمثله مما يقوي رواية البزي السابقة في الحديث؛ لأن متابعة قنبل له على التكبير من طريق الأداء يعطي الحديث قوة بأن له أصلاً ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فكيف إذا علمنا بأن الشافعي ممن يرى التكبير سنة بل يقول للبزي: إن تركت التكبير؛ فقد تركت سنة من سنن نبيك صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلق على ذلك الحافظ ابن كثير بقوله: وهذا يقتضي تصحيحه لهذا الحديث. نقله: الحافظ ابن الجزري في «النشر في القراءات العشر» (2 / 415)
وإنما تكلم في البزي من تكلم من أهل الحديث من قبل كونه رفع الحديث؛ فإذا علمنا أن قنبل رواه
من طريق الأداء بالتكبير؛ أعطى ذلك للحديث قوة نجزم بها أنه مما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، ولعل هذا ما دفع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن يقول في «الفتاوى» (13 / 417) عندما سئل عن التكبير، فقال:

الحمد لله، إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل؛ بل المشروع المسنون...

ثم قال بعد ذلك: ولو قدر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالتكبير لبعض من أقرأه كان غاية ذلك يدل على الجواز، أو استحبابه...

هذا ما أردت تحريره هنا؛ والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.

قلت [أحمد]: مقاله الذي قرر فيه جواز التكبير، وهذا مقاله الثاني - حفظه الله - الذي فيه تراجعه، فقال:

ثم بدا لي أن أنقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كاملاً من «الفتاوى» (13 / 417 – 419) ثم أعلق عليه بإذن الله تعالى:

سُئلَ ـ رَحمَهُ اللَّهُ ـ عن جماعة اجتمعوا في ختمة وهم يقرؤون لعاصم وأبي عمرو، فإذا وصلوا إلى سورة ‏(‏الضحى‏)‏ لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة، ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا ‏؟‏ وهل الحديث الذي ورد في التهليل والتكبير صحيح بالتواتر أم لا‏؟

فأجاب‏:
الحمد للّه‏.‏ نعم إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل، بل المشروع المسنون، فإن هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور ولا في أواخرها‏.‏
فإن جاز لقائل أن يقول‏:‏ إن ابن كثير نقل التكبير عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جاز لغيره أن يقول‏:‏ إن هؤلاء نقلوا تركه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؛ إذ من الممتنع أن تكون قراءة الجمهور التي نقلها أكثر من قراءة ابن كثير قد أضاعوا فيها ما أمرهم به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؛ فإن أهل التواتر لا يجوز عليهم كتمان ما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله‏.‏ فمن جوز على جماهير القراء أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقرأهم بتكبير زائد، فعصوا لأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم،وتركوا ما أمرهم به، استحق العقوبة البليغة التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك‏.‏
وأبلغ من ذلك البسملة؛ فإن من القراء من يفصل بها، ومنهم من لا يفصل بها وهي مكتوبة في المصاحف، ثم الذين يقرؤون بحرف من لا يبسمل لا يبسملون؛ ولهذا لا ينكر عليهم ترك البسملة إخوانهم من القراء الذين يبسملون، فكيف ينكر ترك التكبير على من يقرأ قراءة الجمهور‏؟‏ وليس التكبير مكتوبًا في المصاحف وليس هو في القرآن باتفاق المسلمين‏.‏ ومن ظن أن التكبير من القرآن فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.
بخلاف البسملة، فإنها من القرآن، حيث كتبت في مذهب الشافعي وهو مذهب أحمد المنصوص عنه في غير موضع، وهو مذهب أبي حنيفة عند المحققين من أصحابه وغيرهم من الأئمة، لكن مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما أنها من القرآن، حيث كتبت البسملة، وليست من السورة، ومذهب مالك ليست من القرآن إلا في سورة النمل، وهو قول في مذهب أبي حنيفة وأحمد‏.‏
ومع هذا فالنزاع فيها من مسائل الاجتهاد، فمن قال‏:‏ هي من القرآن حيث كتبت، أو قال‏:‏ ليست هي من القرآن إلا في سورة النمل، كان قوله من الأقوال التي ساغ فيها الاجتهاد‏.‏
وأما التكبير، فمن قال‏:‏ إنه من القرآن فإنه ضال باتفاق الأئمة، والواجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، فكيف مع هذا ينكر على من تركه‏؟‏‏!‏ ومن جعل تارك التكبير مبتدعًا أو مخالفًا للسنة أو عاصيًا فإنه إلى الكفر أقرب منه إلى الإسلام، والواجب عقوبته بل إن أصَرَّ على ذلك بعد وضوح الحجة وجب قتله‏.‏
ولو قدر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتكبير لبعض من أقرأه كان غاية ذلك يدل على جوازه، أو استحبابه، فإنه لو كان واجبًا لما أهمله جمهور القراء، ولم يتفق أئمة المسلمين على عدم وجوبه، ولم ينقل أحد من أئمة الدين أن التكبير واجب، وإنما غاية من يقرأ بحرف ابن كثير أن يقول‏:‏ إنه مستحب، وهذا خلاف البسملة؛ فإن قراءتها واجبة عند من يجعلها من القرآن، ومع هذا فالقراء يسوغون ترك قراءتها لمن لم ير الفصل بها، فكيف لا يسوغ ترك التكبير لمن ليس داخلاً في قراءته‏؟‏
وأما ما يدعيه بعض القراء من التواتر في جزئيات الأمور، فليس هذا موضع تفصيله‏.‏
«الفتاوى» (ج 13 / 417 - 419)

وبعد مداولة أخرى في سند الحديث مع الاطلاع على قول شيخنا المحدث الألباني رحمه الله تعالى في «الضعيفة» برقم (13) القسم الثاني (ص296) برقم ( 6133 ) بأنه حديث منكر.

فأقول وبالله التوفيق:
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل؛ فالحديث لا يثبته أهل الحديث العارفين بهذا الفن الشريف رحمهم الله تعالى - وهم القوم لا يشقى من اقتفى آثارهم -
فالحق والحق أقول:
لقد درست كلام شيخنا رحمه الله تعالى من (ص296) إلى (ص 315 ) فألفيته قد أصاب الحقيقة جدًّا بتضعيف هذا الحديث من جهة الصناعة الحديثية، مع تقويته بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الذي يوميء إلى كونه حديثًا لا يثبت؛ فأنا متراجع عن القول بتحسين ثبوته عن النبي عليه الصلاة والسلام.


وكتب
علي رضا بن عبد الله بن علي رضا

قلت (أحمد): وبذا يتبين ضعف ثبوت التكبير، ومن قال به من علمائنا القراء وفقهم الله فعليه بالدليل الواضح الصريح، لا مجرد التلقي المبني على التقليد، إنما لابد من تحقيق الأقوال في الأخذ عن السابقين، والأخذ في النهاية لما ثبت عن الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه.
وفي النهاية نسأل الله حسن الاتباع، وأن يحشرنا مع نبيه وخير الأتْباع رضي الله عنهم.